IEnSa_Ya_2lbY مشرف عام
عدد الرسائل : 129 العمر : 41 المزاج : يعنى نقاط : 564 تاريخ التسجيل : 18/01/2009
| موضوع: تابع شخصيات صنعت التاريخ ارجو الدخول السبت يناير 31, 2009 5:41 am | |
| ولكن سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة, فان تجربة إيمانه تمارس تفوّقها في كل مكان وزمان, ولقد فرغ من إعادة صياغة حياته على النسق الجديد الذي أعطاهم محمد نموذجه المختار, واطمأن مصعب الى أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدّم قربانا لبارئها الأعلى, وخالقها العظيم.. خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله, فما أن بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيّا.. ذلك أنهم رأوه.. يرتدي جلبابا مرقعا باليا, وعاودتهم صورته الأولى قبل إسلامه, حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة, وألقا وعطراً..وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة, شاكرة محبة, وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة, وقال: " لقد رأيت مصعبا هذا, وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه, ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله".!! لقد منعته أمه حين يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة.. وأبت أن يأكل طعامها إنسان هجر الآلهة وحاقت به لعنتها, حتى ولو يكون هذا الإنسان ابنها..!! ولقد كان آخر عهدها به حين حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من الحبشة فآلى على نفسه لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه.. وإنها لتعلم صدق عزمه اذا همّ وعزم, فودعته باكية, وودعها باكيا.. وكشفت لحظة الوداع عن إصرار عجيب على الكفر من جانب الأم وإصرار أكبر على الإيمان من جانب الابن .. فحين قالت له وهي تخرجه من بيتها: " اذهب لشأنك, لم أعد لك أمّا " اقترب منها وقال: " يا أمّه إني لك ناصح, وعليك شفوق, فاشهدي بأنه لا اله الا الله, وأن محمدا عبده ورسوله"... أجابته غاضبة مهتاجة:" قسما بالثواقب, لا أدخل في دينك, فيزرى برأيي, ويضعف عقلي"..!! وخرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة.. وأصبح الفتى المتأنق المعطّر, لا يرى إلا مرتديا أخشن الثياب, يأكل يوما, ويجوع أياما ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة, والمتألقة بنور الله, كانت قد جعلت منه انسانا آخر يملأ الأعين جلال والأنفس روعة.
**********
اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها: أن يكون سفيره الى المدينة, يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة, ويدخل غيرهم في دين الله , ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم.. كان في أصحاب رسول الله يومئذ من هم أكبر منه سنّا وأكثر جاها, وأقرب من الرسول قرابة.. ولكن الرسول اختار مصعب الخير, وهو يعلم أنه يكل إليه بأخطر قضايا الساعة, ويلقي بين يديه مصير الإسلام في المدينة التي ستكون دار الهجرة, ومنطلق الدعوة والدعاة, والمبشرين والغزاة, بعد حين من الزمان قريب.. وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل وكريم الخلق, ولقد غزا أفئدة المدينة وأهلها بزهده وترفعه وإخلاصه, فدخلوا في دين الله أفواجا..
لقد جاءها يوم بعثه الرسول إليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة, ولكنه لم يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله وللرسول..!! وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة, كان مسلمو المدينة يرسلون إلى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم.. وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة.. جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم إليهم " مصعب ابن عمير ". لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار.. فلقد فهم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودها وعرف أنه داعية الى الله تعالى, ومبشر بدينه الذي يدعوا الناس الى الهدى, وإلى صراط مستقيم ، وأنه كرسوله الذي آمن به, ليس عليه إلا البلاغ..
هناك نهض في ضيافة "أسعد بم زرارة" يفشيان معا القبائل والبيوت والمجالس, تاليا على الناس ما كان معه من كتاب ربه, هاتفا بينهم في رفق عظيم بكلمة الله (انما الله اله واحد).. ولقد تعرّض لبعض المواقف التي كان يمكن أن تودي به وبمن معه, لولا فطنة عقله, وعظمة روحه..
ذات يوم فاجأه وهو يعظ الانس "أسيد بن خضير" سيد بني عبد الأشهل بالمدينة, فاجأه شاهرا حربته ويتوهج غضبا وحنقا على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم.. ويدعوهم لهجر آلهتهم, ويحدثهم عن إله واحد لم يعرفوه من قبل, ولم يألفوه من قبل..! إن آلهتهم معهم رابضة في مجاثمها وإذا احتاجها أحد عرف مكانها وولى وجهه ساعيا اليها, فتكشف ضرّه وتلبي دعاءه... هكذا يتصورون ويتوهمون..
أما إله محمد الذي يدعوهم إليه باسمه هذا السفير الوافد إليهم, فما أحد يعرف مكانه, ولا أحد يستطيع أن يراه..!! وما أن رأى المسلمون الذين كانوا يجالسون مصعبا مقدم أسيد ابن حضير متوشحا غضبه المتلظي, وثورته المتحفزة, حتى وجلوا.. ولكن مصعب الخير ظل ثابتا وديعا, متهللا.. وقف اسيد أمامه مهتاجا, وقال يخاطبه هو وأسعد بن زرارة: "ما جاء بكما الى حيّنا, تسفهان ضعفاءنا..؟ اعتزلانا, اذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة"..!! وفي مثل هدوء البحر وقوته.. وفي مثل تهلل ضوء الفجر ووداعته.. انفرجت أسارير مصعب الخير وتحرّك بالحديث الطيب لسانه فقال: " أولا تجلس فتستمع..؟! فان رضيت أمرنا قبلته.. وان كرهته كففنا عنك ما تكره ".
الله أكبر. ما أروعها من بداية سيسعد بها الختام..!!
كان أسيد رجلا أريبا عاقلا.. وها هو ذا يرى مصعبا يحتكم معه الى ضميره, فيدعوه أن يسمع لا غير.. فان اقتنع, تركه لاقتناعه وان لم يقتنع ترك مصعب حيّهم وعشيرتهم, وتحول الى حي آخر وعشيرة أخرى غير ضارّ ولا مضارّ.. هنالك أجابه أسيد قائلا: أنصفت .. وألقى حربته الى الأرض وجلس يصغي .. ولم يكد مصعب يقرأ القرآن, ويفسر الدعوة التي جاء بها محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام, حتى أخذت أسارير أسيد تبرق وتشرق.. وتتغير مع مواقع الكلم, وتكتسي بجماله..!! ولم يكد مصعب يفرغ من حديثه حتى هتف به أسيد بن حضير وبمن معه قائلا: "ما أحسن هذا القول وأصدقه.. كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين"..؟؟ وأجابوه بتهليلة رجّت الأرض رجّا, ثم قال له مصعب: " يطهر ثوبه وبدنه, ويشهد أن لا اله الا الله ". فغاب أسيد عنهم غير قليل ثم عاد يقطر الماء الطهور من شعر رأسه, ووقف يعلن أن لا اله الا الله, وأن محمدا رسول الله.. وسرى الخبر كالضوء.. وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع, وأسلم ثم تلاه سعد بن عبادة, وتمت بإسلامهم النعمة, وأقبل أهل المدينة بعضهم على بعض يتساءلون: اذا كان أسيد بن حضير, وسعد ابن معاذ, وسعد بن عبادة قد أسلموا, ففيم تخلفنا..؟ هيا الى مصعب, فلنؤمن معه, فانهم يتحدثون أن الحق يخرج من بين ثناياه | |
|
lilil saef lilil عضو ذهبى
عدد الرسائل : 305 العمر : 37 المزاج : الحمد لله نقاط : 133 تاريخ التسجيل : 26/01/2009
| موضوع: رد: تابع شخصيات صنعت التاريخ ارجو الدخول الأحد فبراير 01, 2009 8:29 am | |
| | |
|