أما الأسباب المعينة على تجنب الحزن فقد أجمع كثير من رجالات التربية وعلم النفس والطب وكما ورد في كتاب الأستاذ سليمان العثيم مجموعة من الأسباب اختصرها هنا:
من المعلوم أن حياة كل إنسان لا يمكن أن تنفك عن الحزن، لأنه أمر فطري نتيجة لما يلقاه من كبد في الحياة فلا ينقطع الحزن الا عندما يستقر المؤمن في الجنة يقول تعالى {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور(1) الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب} ولا شك أن المسلم يؤمن أن ما يصيبه في هذه الحياة إنما هو بقدر الله - عز وجل - وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، فالله كتب ما قدره في هذا الكون، كما يقول تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في السماء إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير} فالمسلم يتلقى المكروه والمضار بالمقاومة وأخذ الأسباب الشرعية لما يمكنه مقاومته، وتخفيف ما يمكنه تخفيفه، والصبر لما ليس له عنه بد، ويمكن حصر الأسباب المعينة على تجنب الحزن ليسعى الإنسان في تحصيلها والتوفيق بيد الله ومنها:
1 - السعي لزيادة الإيمان وتحقيقه في النفس: فالإيمان أعظم نعمة يهبها الله لمن يشاء من خلقه {بل يمن عليكم أن هداكم للإيمان} فهو نعمة تزكي العمر، وتبارك الحياة، وترفع قلب المؤمن عن هذه الدنيا وزخرفها إلى التعلق بربه والسعي لمرضاته، كما أن الإيمان يمنح المرء قوة العزيمة وارتباطاً بالقوي العزيز، وذلك لأن المؤمن موقن أن الأمر بيد الله - عز وجل - فإليه يرجع الأمر كله، وان النفع والضر بيده - سبحانه - فلا يتوكل إلا عليه، ولا يرجو إلا إياه، كما أنه موقن تمام اليقين بقوله تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم} أما البشر فمهما امتلكوا من القوة والفهم ضعفاء، بل يتناهى ضعفهم إلى حد قوله تعالى {وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب} كما يوقن المؤمن إن الله بكل شيء عليم، فلا محل للحزن لدى المؤمن وهو يوقن بأن رحمة الله وسعت كل شيء وبيده وحده مفاتيح الرحمة، {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم} فلما الحزن والقلق وأزمة الأمور كلها بيد الله؟ فهو العليم وهو الحكيم، وهو الرازق ذو القوة المتين، هذا الإيمان يمنح المسلم الهدوء والطمأنينة، والراحة النفسية، فيكون قرير العين، مسرور النفس، قال ابن القيم - رحمه الله: وقد فسرت الحياة الطيبة بالقناعة والرضى والرزق الحسن وغير ذلك، فلا محل للحزن هنا، بل كلما ازداد ايمان العبد كلما تلاشى الحزن تلقائياً، حيث يضمحل ويذوب كما يذوب الملح في الماء، ومصداق ذلك في قوله تعالى {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} وفضل الله واسع ورحمته شاملة.
2 - الصدقة، والانفاق في سبيل الخير ابتغاء وجه الله تعالى، ففي الصدقة والإحسان إلى الخلق انشراح للصدر، ومتعة للنفس وتنفيس للكرب، وبعد عن الشح، وهما برهان على الايمان، وصنائع المعروف تقي مصارع السوء، واليد العليا خير من اليد السفلى.
3 - الاكثار من ذكر الله، فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر، وطمأنينة النفس، وارتياح الضمير، ونزول السكينة، وزوال الهم والحزن عن القلب قال الله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
4 - تجنب المثيرات التي تسبب الشجار والخصام، واذا بليت بشيء من ذلك فسارع إلى حل المشكلة التي تعرض لك حتى لا تصبح قضية مقلقة ملازمة، فينتج عنها الحزن والقلق، وإن أوسع أبواب حل المشاكل العارضة الصلح والعفو ففي العفو راحة وسيادة والله سبحانه وتعالى رتب الأجر على العفو فقال تعالى {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} ومن فعل ذلك فهو العقل حقاً، وإلا بقي رهين الحزن يكابد أضراره من حين إلى آخر.
5 - الاتصاف بحسن الخلق: فلا حسب كحسن الخلق، وحقيقة حسن الخلق قال الرسول صلى الله عليه وسلم (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا).
6 - ومما يباعد من الوقوع في مواطن الحزن القناعة بما آتاه الله، وهذا للأسف ما يقع فيه كثير من الناس في وقتنا المعاصر حيث تهافتوا على الدنيا وكثرت أطماعهم وسباقهم وضياع أوقاتهم من أجل الدنيا فضيعوا كثيراً من الواجبات عليهم مما جلبت عليهم الأمراض والحزن والكآبة أعاذنا الله منها وتناسوا حتى من توجيه أبنائهم ومتابعتهم ونحتاج إلى نظرة سريعة وعادلة ليوازن الإنسان حياته والمطلوب من كل منا الوسطية والاعتدال حتى في مسيرة حياته اليومية والاسبوعية والشهرية والسنوية وكل واحد الآن يقف مع نفسه ويراجعها ويتأمل هل فعلا يمارس حياته الطبيعية كما هو مطلوب منه. وأخيرا يجب على كل منا حتى يبتعد عن الحزن ويستبدله فرح التفاؤل وأخذ الأمور بأناة ورفق وحسن تدبير والاشتغال بما يفيد، سواء في أمر دينه أو دنياه، والترويح على النفس فلنفسك حق وأسرتك حق، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل حياتنا كلها أفراحاً ومسرات وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم كما يجب علينا الشكر لله عز وجل على هذه النعم التي لا تحصى وفي مقدمتها الايمان بالله وبرسوله
تقبلو منى كل الحب.